حوكمة الشركات بين المفهوم و التطبيق في المملكة العربية السعودية
تعتبر الحوكمة جزءاً لا يتجزأ من كيان الشركات لاسيما أن الأزمات المالية التي عانى بسببها الاقتصاد العالمي وضعت مفهوم حوكمة الشركات ضمن الأولويات. فبالنظر لحوكمة الشركات من حيث المفهوم العام فإن منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية ترى ان حوكمة الشركات هي المبادئ التي تنظم العلاقة بين أعضاء مجلس الإدارة والمساهمين وجميع الأطراف ذات العلاقة مع الشركة ، كما أنها توفر هيكله يتم من خلالها وضع أهداف الشركة ، وتحديد الوسائل المثلى لتحقيق تلك الأهداف و مراقبة الأداء. كما عرَف أدريان كادبوري أحد رواد الحوكمة حوكمة الشركات بأنها المحافظة على التوازن بين الأهداف الاقتصادية والأهداف الاجتماعية وبين الأهداف الفردية والأهداف الجماعية ، حيث أن الهدف هو التوفيق قدر الإمكان بين مصالح الأفراد مع الشركات و المجتمع. من هنا يتضح لنا أن حوكمة الشركات هو موضوع متعدد الأوجه و يتصل بعدد من الأطراف ذات العلاقة و تكمن أهمية الحوكمة في العمل على إطار يحكم تلك العلاقات و يساهم في تكامل أدوارها و ضمان حقوقها بشفافية وعدل.
بشكل عام ومبسط فإن حوكمة الشركات تمثل النظام الذي يحكم و يوجه الشركة وهناك أربع ركائز للحوكمة الجيدة للشركات.
تمثل المسائلة الركيز الأولى وتعني بأن الإدارة التنفيذية مساءلة من قبل مجلس الإدارة و مجلس الإدارة مسائل من قبل المساهمون.
و تمثل العدالة الركيزة الثانية حيث يتم التركيز على حماية حقوق المساهمين و العدل في معاملتهم وتشمل الحفاظ على حقوق مساهمي الأقلية.
و تمثل الشفافية الركيزة الثالثة حيث يجب على الشركة الإفصاح عن المعلومات المالية و الغير مالية في الوقت المناسب و تقديم المعلومات المتعلقة بحوكمة الشركة بشفافية لما فيه مصلحة الشركة و المساهم.
و تمثل الإستقلالية الركيزة الرابعة حيث يجب على الشركة أن تتجنب تعارض المصالح و تقليلها قدر المستطاع وعليها وضع السياسات و الإجراءات التي تحكمها.
وفي سبيل صناعة بيئة استثمارية ملائمة تتسم بالربحية و الإستدامة تسعى الجهات المعنية بالمملكة العربية السعودية الى تعزيز الجهود التي تساهم في رفع مستويات الجودة والشفافية والإفصاح و حفظ حقوق المساهمين و أصحاب المصالح في قطاع أعمال الأوراق المالية.
لذا بدأ مفهوم الحوكمة يظهر جلياً حين أصدرت هيئة السوق المالية السعودية قراراً بضرورة إتباع الشركات لمعايير حوكمة الشركات ، حيث تم إصدار لائحة حوكمة للشركات توضح القواعد والمعايير المنظمة لإدارة الشركة لضمان الإلتزام بأفضل ممارسات حوكمة الشركات التي تكفل حماية حقوق المساهمين وأصحاب المصالح ، إضافة الى ذلك تصدر مؤسسة النقد العربي السعودي لوائح حوكمة الشركات المدرجة تحت قطاعي البنوك و التأمين ومنها لائحة شركات التأمين الصادرة عن الإدارة العامة للرقابة على شركات التأمين في المؤسسة وكذلك المبادئ الرئيسة للحوكمة في البنوك العاملة بالمملكة العربية السعودية و الصادرة عن الإدارة العامة للرقابة على البنوك.
إضافة الى لوائح الحوكمة الداخلية فإن منظمة التعاون الإقتصادي و التنمية (OECD) تقدم أفضل ممارسات الحوكمة المطبقة عالمياً.
تتوالى الجهود في المملكة العربية السعودية و تتكاتف الجهات في رفع الوعي بمفهوم الحوكمة و تعزيز تطبيق أفضل ممارسات الحوكمة ، و من ضمن تلك الجهود مبادرة الهيئة العامة للاستثمار في المملكة العربية السعودية بالتعاون مع جامعة الفيصل لتنفيذ مشروع مؤشر حوكمة الشركات والذي تم من خلاله بناء اللبنات الأولى لتأسيس مركز متخصص بحوكمة الشركات يعمل تحت إدارة الجامعة.
يعمل المركز على دراسة بحثية سنوية لتحديد مؤشر يقيس مدى التزام الشركات بتطبيق أفضل الممارسات في الحوكمة.
وقد أوضحت نتائج هذه الدراسة السنوية أن آداء الشركات المدرجة في السوق المالي السعودي بشكل عام يعتبر جيد إلا أن النتائج التفصيلية أسفرت الى أن الشركات على الأغلب تعمل بشكل جيد فيما يتعلق بممارسات الحوكمة المتعلقة بمجلس الإدارة وحقوق المساهمين ، بينما لوحظ قصور في جودة الممارسات المتعلقة بالإفصاح العام والشفافية وكذلك المتعلقة بحقوق أصحاب المصلحة (الصالح العام).
الجدير بالذكر أن الجهود المبذولة من قبل هيئة السوق المالية السعودية للرقابة على الشركات جهود مثمنه وذات قيمة عاليه لحث الشركات بالإلتزام بمبادئ الحوكمة ، إلا أنه يتعين على الشركات تفعيل الدور الرقابي بشكل أكبر و الإجتهاد لرفع الوعي بالتطبيق الجيد لأفضل الممارسات و تحسين السياسات و الإجراءات بما يتوافق مع سياسة الشركة و أهدافها وضمان حقوق مساهميها.